إلى المخبأ.. إلى الملجأ.
إلى الاستقام ، 3 جمل الهدف منها واحد وهو الاحتماء من قنابل وصواريخ إسرائيل في تلك الحفر أو المخابئ التي تتسع لعدة أشخاص، ولكن هذه الجمل التحذيرية لم تعد تداول بين المواطنين في الوقت الحالي مقارنة بالعام 1967م عندما احتلت غزة لعدم جدواها، والسبب أن الصواريخ التي تسقط عليهم تحدث انفجارات كبيرة مدمرة، وتمتد آثارها إلى تحت الأرض، ناهيك عن استخدام مواد محرمة دوليا.
(عشرينات) استطلعت آراء بعض المواطنين في قطاع غزة، فأجمعوا عدم جدوى هذه الملاجئ حاليا، مشيرين إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تكن معنية في يوم من الأيام ببناء ملاجئ لاعتقادها بأن عملية السلام ستستمر إلى أمد طويل، دون أن تدرك أن العدو الصهيوني لن تقيده اتفاقات أو تعهدات أو سلام.
استقامات 67
تستذكر معنا الحاجة أم محمود، التي تسكن مدينة رفح أقضى جنوب قطاع غزة، أيام حرب 67، وتقول: "كان زوجي رحمه الله قد حفر استقام في الحاكورة التي بجوار منزلنا، ومع بدء العدوان الإسرائيلي علينا، نزلنا جميعا أنا وأطفالي وبعض الجيران داخل هذا الاستقام، لقد كان الوضع مخيفا جداً آنذاك، لكنه لن يكون مثل هذه الحرب التي تدور الآن في القطاع، فالصواريخ التي يسقطونها علينا اليوم تحدث إنفجارات كبيرة مدمرة، ليست فقط على المنزل المستهدف، لكنها تدمر العديد من المنازل القريبة منه، سواء بشكل كلي أو جزئي".
أم محمود لا زالت في بيتها القديم وسط المدينة، والذي أكتظ ببناتها وأطفالهم وأزواجهم بعدما دمر الطيران الإسرائيلي منازلهم التي تقع على مقربة من الحدود مع مصر، تضيف: "لقد كانت الأسر القريبة من منزلنا تأتي إلى بيتنا، فتنزل السيدة وأطفالها معنا في الإستقام، بينما يذهب رب الأسرة إلى حيث يذهب".
وتشير إلى أن الرجال يأخذون أطفالهم وزوجاتهم إلى أماكن أكثر أمناً، ثم يذهبون ليلتحقون بالمقاومة الفلسطينية، خاصة مع دخول الدبابات الإسرائيلية أرض قطاع غزة.
لن تنفع
الأمر اليوم يختلف تماماً - برأي هنادي شراب- التي قالت: "اليوم الصواريخ الإسرائيلية التي يسقطونها فوق رؤوسنا أصبحت تحدث حفرة بعمق أكثر من مترين على عرض أكثر من 10 أمتار، وهو ما يعني أن تلك الإستقامات لن تنفع في مواجهة هذه الصواريخ، كان من المفترض أن تقوم السلطة الوطنية الفلسطينية ببناء ملاجئ لكل حي سكني، لكنها انشغلت ببناء فيلات وقصور قياداتها، ولم تحسب العدة لأيام وسنين قادمة".
وتطابق رأي هنادي مع رأي منير جابر، 27 عاماً، الذي يقول: "لا أعرف لماذا لم يفكر أحد من المسئولين ببناء ملاجئ كباقي دول العالم، من المؤكد أن إسرائيل قد تقصف تلك الملاجئ كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية في العراق عندما دمرت أكثر من ملجأ كان يؤوي عشرات العراقيين".
وأضاف: "الاحتلال الإسرائيلي لن يبقي على شيء في غزة، فهو مستمر في تدمير كل شيء هنا، لا أناس ولا مباني ولا أشجار".
تعود على الموت
وأعتبر الشاب أكرم ممدوح، أن الطابق الأرضي لأبراج غزة بمثابة ملجأ جيد لسكان البرج، مضيفا: "سكان الأبراج يفضلون البقاء في شققهم على أن ينزلوا من الطوابق العليا للطابق السفلي، والذي يسمى بدروم".
وأشار إلى المواطنين قد تعودوا على القصف بشكل لافت للنظر، "فقد تجد مثلا رجل وأطفاله يجلسون أمام بيتهم، بينما يكون القصف على بعد 100 متر عنهم، وعندما تسأل لماذا لا ترحل أو تهرب بعيداً عن القصف الإسرائيلي؟، يرد عليك بـ "لن يموت الإنسان ناقص من عمرة ولا دقيقة".
ولعل رأي محمد وشاح، من النصيرات، يعد مثيرا للجدل، حيث يقول: "في حال تم تجهيز ملاجئ للناس هنا، فأنا أجزم أن لا أحد سيدخل الملجأ.. فالناس تعودت على الموت، حتى أصبح الموت في غزة والحياة متساوين تماماً، ولا فرق بين الاثنين".
وأوضح: "حتى الشهداء الذين يسقطون جراء القصف أو الاشتباكات مع الاحتلال الإسرائيلي، فإنه يتم دفنهم ولا يقيموا لهم بيوت عزاء كما اعتادوا هنا في الأراضي الفلسطينية تزينها الأعلام والرايات والشعارات، خوفاً من قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لخيمة العزاء".
إسرائيل ستستهدف الملاجئ
يستبدل الفلسطينيون الأنفاق تحت الأرض كبديل عن تلك الملاجئ، لكن تلك الأنفاق ليست متداولة بيد جميع المواطنين، بل تقتصر على المقاومة الفلسطينية التي تتنقل من مكان إلى آخر عبر تلك الأنفاق.
لكن هذه الأنفاق التي حفرتها المقاومة الفلسطينية قبل فترة استعدادا وتحسباً لأي عدوان إسرائيلي محتمل، تم تجهيز عدد منها بشكل مناسب للقيادات السياسية للفصائل الفلسطينية المستهدفة.
وذكر لنا أحد المقاومين - رفض ذكر اسمه- أن عدة أنفاق تنتهي بغرفة كبيرة مزودة بإنارة وتلفزيون وعدد من البطاطين وكأنه أفضل من أية ملجأ، وقال: "لكن هذه الأنفاق ليس بمقدرة أحد من المواطنين معرفته مكانها، خوفاً من عملاء الاحتلال الذين زرعتهم المخابرات الإسرائيلية بين صفوف المواطنين".
وأعتبر أن الهدف الرئيسي من هذه الأنفاق هو مواجهة العدو الصهيوني، وليس للاحتماء من الصواريخ الإسرائيلية التي تسقط في مختلف أرجاء قطاع غزة.